الرئيسية
متى يتم الإفراج عن رواية "أولاد حارتنا" في مسقط رأس وموطن سفير الأدب العربي ونوبل المصري الأديب الكبير نجيب محفوظ؟ لا يعقل أن المكسيك تقوم بترجمتها وتظل أسيرة هنا في أرض الحضارات والتاريخ.
ومتى تتحول بقية أعماله إلى أفلام ومسلسلات؟ سؤال مطروح وعلامات استفهام ما زالت تبحث عن إجابة منذ رحيل أديب نوبل حتى الآن لكونه مؤرخ الوجدان المصري بكل لغات العالم، "فزقاق المدق" تم ترجمتها إلى 20لغة و"اللص والكلاب" تم ترجمتها إلى 13لغة و"بين القصرين" إلى 12لغة والصين ترجمت 14رواية وقصة في مقدمتها الثلاثية.
يقول الكاتب الصحفي والمؤرخ كامل زهيري أنه لا بد من الاستعانة بتراث نجيب محفوظ الأدبي والفكري لإثراء كافة الجوانب الفنية والفكرية فقصصه تمت ترجمتها إلى كافة اللغات الإنشائية وأصبحت تجوب العالم من شرقه إلى مغربه ومن شماله إلى أقصى جنوبه وتظل حبيسة في الجدران أو غريبة في بيتها، "فزقاق المدق" يعرفها العالم ويجهلها شبابنا ولا تعرف لها السينما طريقاً و"اللص والكلاب" ما زالت تائهة و"أولاد حارتنا" ما زالت مقيدة أرجلها بالقيود الفكرية البالية فضلاً عن كونها تجربة بشرية سامية يجب أن تقتدي بفكرها وهي القيمة الفكرية التي صاغت الواقع والحارة بأسلوب أدبي سيظل مقترناً أبد الدهر بنجيب محفوظ.
ويضيف كامل زهري: لقد حكى لنا أستاذنا نجيب محفوظ عن تأثير الأفلام السينمائية على حياته منذ الصغر، وحكى ذكرياته أيام سينما "أوليمبيا" وكانت عند مدخل شارع عبدالعزيز قريباً من ميدان العتبة ومدخل شارع محمد علي، وما زالت قائمة.
وقد شهد نجيب محفوظ فيها فيلماً أجنبياً يقوم فيه أحد الأطباء بإجراء عملية جراحية. وقد بلغ تأثر نجيب محفوظ بهذا المشهد أن عاد إلى بيته، لينصب فوق سلم البيت عيادة، وليحضر سكيناً من المطبخ لاستخدامه كمشرط واتفق مع أصدقائه الصغار على أن يتمدد كالمريض، وانتهى الفيلم "الحقيقي" بجرح بقيت آثاره على يده.
وهو لا ينسى هذه التجربة مع السينما حين يختلط الخيال بالواقع أيام الصبا، ولا ينسى تلك المغامرة كما لا ينسى نجمته المفضلة أيامها، ماري بيكفورد التي تزوجت بالنجم دوجلاس فيربانكس.
ولكن السينما لم تكن مجرد نزوة صبا أو طيش شباب في حياة أديبنا الكبير، لأنها لعبت دوراً أساسياً في براعة كتابته للرواية، وأفادته لأنه تفنن في المونتاج و "الفلاشباك" أو العودة إلى الماضي حين يتذكر البطل، وأفادته في روعة التركيز وبراعة التنقلات في الزمان والمكان، وكان إقباله في ظني على كتابة السيناريوهات، مجرد تمرينات على كتابة الرواية. وهي فئة الأصلي.
ومثل الرسامين الذين يذهبون إلى المتاحف لإعادة رسم لوحات كبار الرسامين كان نجيب محفوظ منذ البداية يمرن خياله على إعادة كتابة الروايات الشهيرة.
ويقول محفوظ:
- أحبيت القراءة وأنا في السنة الثالثة الإبتدائية، حيث أعطاني صديق رواية بوليسية، وكانت خارج المقرر الدراسي ومن هذا اليوم استمررت في القراءة.. ومن صغري كنت أقرأ ما كتبه حافظ نجيب، وكان "حرامي مثقف" 1وعبريا دوخ الحكومة! وأصبح أشهر مؤلف قصص بوليسية وأشهر مؤلفاته "جونسون" و"ميلتون ويب" ومغامرات حافظ نجيب! وهو بالمناسبة والد أبو الخير نجيب رئيس تحرير الجمهور المصري والذي هاجم الملك فاروق وأشهر مقالاته: "بدراسة فلسفة الفنون وعلم الجمال".
وفي السنة الثالثة كان الطلبة لا يمتحنون، فلم يضيع أديبنا الطموح وقته، والتحق بمعهد الموسيقى العربية، واختار العزف على آلة القانون وتعلم النوتة، وأثنى عليه أستاذه الموسيقار على موهبته السمعية.
"وكنت أتمنى أن أكون موسيقياً، ولو عدت إلى الشباب لاخترت الكتابة، في أغلب الأحيان"، وقد نصحه محمود العقار وتوفيق الحكيم بدراسة الفنون المتصلة بالآداب، فبدأ بالفنون التشكيلية: التصوير والنحت والعمارة.
وقرأ نجيب محفوظ كتب تاريخ الفن العالمي الفرعوني والإغريقي وعصر النهضة، وكان العقاد يكتب كمقالات دائمة عن الفن التشكيلي، والحكيم كان يمكن أن يصبح ناقداً تشكيلياً لو لم يصبح روائياً ومسرحياً، وقد كشف مقاله عن أهم عشر لوحات في التاريخ في العدد الخاص بالحكيم من مجلة الهلال ومن رسوم الفراعنة ولوحة العازفات الثلاث إلى رينوار وديجا ومحمود سعيد.
وكما أحب نجيب محفوظ الرسم والنحت أحبه الرسامون وأبدعوا في رسم شخصيات رواياته قصصه من سيف وانلي ومحمد صبري إلى جمال قطب والحسيني فوزي وعبدالعال وجورج البهجوري ومحمد حجي وكثيرين آخرين مبدعين.
وأتمنى أن يجمع متحف واحد دائم كل هذه اللوحات، وما أروعها رغم كثرتها.
وما يلفت النظر ويحتاج إلى التحليل، أنه كان يدرس ويفحص كل شيء يراه أو يسمعه، وحتى في حديثه عن الحشيش يقول أنه جربه مرة واحدة وكاد يفقد رشده، فابتعد عنه لكنه كان يقرأ كل شيء عن المخدرات، ويقول أن الحرب العالمية الثانية كانت سبباً في اختفاء المشروبات الروحية، فتحول الأثرياء إلى المخدرات، وغلا ثمنها وعزت على أولاد البلد، ويقول محفوظ أن حكمدار العاصمة راسيل باشا شديد الصرامة كانت يتاجر بالمخدرات مع أنه كان يعلن أنه يحاربها، ولا بأس عن بعض الحملات المظهرية من وقت لآخر.
ويعترف نجيب محفوظ أنه كتب كثيراً عن الغانيات وبائعات الهوى، وإذا كان أدب نجيب محفوظ قد كشف للقارئ عالم الحارة في ثلاثيته الشهيرة من "زقاق المدق" إلى "بين القصرين" و "السكرية" و "قصر الشوق" ثم بداية ونهاية" فقد تفوق على معاصريه في تصوير عالم المرأة بلمحاته وأبعاده عبر أجيال متعاقبة ومعالجة الأجيال، رجالها ونسائها في الثلاثين تشبه روايات توماس مان، وتولستوي في الحرب والسلام.
وفي الثلاثية نحو عشرين امرأة في البيت بين الزوجة والبنات لكنها تصور كذلك الدلالة والبائعة والخاطبة ثم العوالم والراقصات مثل جليلة وزبيدة وياسمينه.
وأجمل من صور الأم العطوف والزوجة الوفية هو نجيب محفوظ في قصته "دنيا الله" وقصة "قوس فزح".
وسيان أن تكون الأم جاهلة أو مثقفة لأنه يصور هذه الفضيلة الحميمية عند الأمهات حين تصبح الأمومة مهنة التضحيات من أجل الأبناء، وهو يصور العانس الثرية في قصته "جوار الله" والأرملة الثرية في قصته "حلم نصف الليل".. ويصور المتحررة المستهترة في قصة "بيت سيء السمعة" و "كلمة في السر".
وجميعها شخصيات شديدة القرب من الواقع وتمثل شرائح حقيقية بالمجتمع في مراحل زمنية مختلفة.
وترى الفنانة سميرة أحمد أن شخصية "نوال" التي أديت دورها في رواية الأديب العالمي نجيب محفوظ "خان الخليلي" جسدت بالفعل صورة الشابة الصغيرة التي تعيش داخل مجتمع تحكمه التقاليد والأخلاقيات الأصلية، ومن خلال الأحداث التي كانت هي محورها عندما أحبها الأخ الأكبر بصمت بالرغم من أنه يكبرها بفارق كبير من العمر وفي نفس الوقت ظهرت روعة إبداعات الأديب الكبير وهو يحلل هذا الموقف من عدة جوانب سواء الفلسفية لدرجة أنه يشعرك بأنها حقيقية من شدة صدقها وجمال ودقة وصفها، وأنا كأي فنانة يكفيها فخراً وسعادة بأن تقوم بأداء شخصية من شخصيات الأعمال الروائية للأديب العظيم نجيب محفوظ.
