الرئيسية
دعونى أعترف لكم أننى لم أعرف قيمه نجيب محفوظ إلا عندما مات ...
كانت بينى وبين نجيب محفوظ سلسله طويله , معقدة من سوء الفهم , بدأت عندما كنت طالبا فى المرحله الإبتدائيه , وكانت كتب القراءة مليئه بموضوعات عن نجيب محفوظ وجائز نوبل .. كان محفوظ أنذاك عبئا يجب أن أتحمله , ودرسا يجب أن أحفظه وأتوقع أسئلته التى سأكتب أجوبتها فى إمتحان أخر العام , ناهيك عن إنعدام المصداقيه فى كل ما أدرسه من مناهج , فكيف أصدق كتاب قراءة يقول أن سبب النصر فى حرب أكتوبر هو الضربه الجويه الأولى فقط لاغير ثم أجد فى كتاب القراءة ذاته أن نجيب محفوظ أفضل كاتب عربى , فكيف اصدق مثل هذا الهراء ؟
لذلك أوجه مناشدة للقائمين على تطوير التعليم فى مصر ... من فضلكم لا تضمنوا كتبكم مقالات عن نجيب محفوظ أو أحمد زويل ... إلخ إلا حينما تنظفوا كتبكم من عفن الأكاذيب ...
ساعد على سوء العلاقه بينى وبين مؤلفات نجيب محفوظ , تلك الروايات التى تحولت لأفلام , والتى كانت أمى تعشقها وتشاهداه , مما كان يحرمنى من اللعب بـ Play station لفترات طويله .
هكذا تصورت أن نجيب محفوظ ماهو إلا كيان خلقه الله ليكون عبئا على فى الدراسه , ومانعا لألعابى فى الأجازة ...
أما فى بدايات مرحله الشباب , فزادت العلاقه بينى وبين مؤلفات محفوظ إضطرابا .. كنت أطلب من أبى أن يبتاع لى أحد كتبه فيقول لى بلهجه الأمر لا النصح :
- لن تعجبك روايات نجيب محفوظ .
أما والدتى فكانت تقول لى أن روايات نجيب محفوظ ( كافرة ) لا يجب أن تقرأها فى هذا السن , والعجيب أنها كانت رغم ذلك تتابع المسلسلات والأفلام المقتبسه عن رواياته !
هكذا ظللت لا أريد قراءة روايات نجيب محفوظ , حتى أننى أقدمت على أسوأ قرار فى حياتى حين بعت صندوق كبير قديم لدى يحتوى على معظم مؤلفات نجيب محفوظ , وبعته لدى أحد تجار الكتب القديمه بمبلغ زهيد , فقط لأتخلص من الحيز الكبير الذى تشغله هذة الكتب تحت فراشى , لأضع فيها دراجتى الجديدة !!
مرت الأيام والسنوات وكبرت , وأصبحت مستقلا فكريا عن عائلتى , وإختلفت أفكارنا كثيرا , وأدركت أن الحياه أوسع من أن أنظر إليها من خلالهم , ساعتها فقط تلقيت خبر وفاه محفوظ ... وأخذت الفضائيات ومواقع الإنترنت تعرض نبذه مختصرة عن حياه هذا العظيم , قرأت أحدها بالصدفه , وعرفت بأمر روايته الممنوعه أولاد حارتنا , والصراع الذى دار عليها ... حينها فقط قررت أن أقرأ هذة الروايه ...
وفى نفس يوم وفاه محفوظ , كنت أقوم بواحدة من أصعب مهام البحث على الإنترنت , عن الروايه الممنوعه , حتى وجدتها أخيرا , وبدأت فى قراءتها ثم إنتزعت نفسى إنتزاعا من أمامها بعد حوالى ثلاث أيام , وقد أنهيتها تماما ...
لحظتها فقط أحسست بالندم على كل كتاب بعته , وكل سنه قضيتها بعيدا عن مؤلفات هذا الرجل ...
كانت الروايه عميقه , تلخص التاريخ البشرى , وتدلو بدلوها فى العلاقه بين الدين والعلم ... وعلمت أن قاتل محفوظ – الذى حاول قتله بعد نشر الروايه – لم يقرأ الروايه أصلا .. كان أحد هؤلاء المتشددين الإسلاميين الذين إمتلأت بهم مصر فى نهايه الثمانينيات ومطلع التسعينيات , ممن ربوا ذقونهم وقصروا أطراف جلاليبهم وأجروا عقولهم لأمراء جماعاتهم ...
كانت لغه محفوظ سهله وعميقه فى أن واحد , والأهم أنها كانت مصريه 100 % ليست كالروايات المترجمه , أو ذات الأساليب الشبيهه بالإسلوب الغربى فى الكتابه , ناهيك عن أن معظم رواياته كانت تستعرض الحاله السياسيه والإجتماعيه منذ حكم الملك وحتى حكم السادات ...
كان محفوظ شاهدا حقيقيا على العصر , وكان يضع شهادته فى كل روايه مغلفه بغلاف قصصى أنيق , ولغه متسقه , وتعمقا لا نهائيا فى أبسط تفاصيل حياه البشر ...
بعض قصص محفوظ لا تحتوى على صراع .. .فقط تستطيع أن تقول – إذا جردتها من كل شىء أخر – أنها مجرد قصه عاديه أخرى .. على غرار ( عيل تاه ... لقوة ) , إلا أن محفوظ لديه القدرة على صياغه هذة القصه البسيطه صياغه سهله ممتنعه , تجعلك تعيش كل لحظه فيها وكأنك أحد أطرافها , ويتناول بحرفيه متميزة ما لا يتناوله غيرة على الإطلاق ...
قرأت لمحفوظ أولاد حارتنا أو ( أبناء الجبلاوى ) و شهر العسل وليله مقتل الزعيم وباقى من الزمن ساعه والسمان والخريف , وغيرها , ووجدت فى محفوظ أفضل كاتب عربى فعلا ...
لقد صدق كتاب القراءة ولو مرة واحدة !
فقط أقول , لو كان محفوظ أمريكى أو بريطانى , لصنعت له أمريكا تمثالا يناهز تمثال الحريه طولا – أو يزيد – ولأقيم معرض لمقتنياته , ولدرست روياته لطلبه المدارس والجامعات ..
أما لأنه مصرى , فنجد أن أفضل تكريم لمحفوظ هو منحه وسام الدوله ( مش عارف من الدرجه الكام ) و مقابلته بالرئيس مبارك ...
والعجيب أن الصحف حين تتعرض للقاء محفوظ ومبارك تخرج مانشيتاتها كالتالى :
" لقاء محفوظ والرئيس الزعيم القائد الوحيد الأوحد محمد حسنى مبارك "!
" محفوظ : الرئيس مبارك رئيس عالمى قومى شامل وهو أمل مصر الوحيد " !
وكأنما المقابله تكريما لمبارك وليس العكس !
واليوم , يقول البعض أن محفوظ لم ينل نوبل إلا عندما ( كفر ) و ( شتم الدين ) فى روايه ( أولاد حارتنا ) فإذا سألت أحدهم هل قرأت الروايه ؟ أجابك أنه لم يقرأها ... هؤلاء أيضا إغتالوا محفوظ مثلما حاول ذلك الشاب الجاهل فى التسعينات , فقط هو حاول أن يغتاله جسديا , أما المروجون للأمر دون دراسه فإغتالوة معنويا .. إغتالوا ذكراه التى تعيش فى قلب كل عاشق لنجيب محفوظ ..
وأنا منهم ..
اليوم عندما كنت أتصفح بعض المجلات لدى بائع الجرائد , وجدت طفلا صغيرا لم يتجاوز عمرة الحاديه عشر مع والدة , قال الطفل لوالدة :
- بابا ممكن أشترى " السمان والخريف " أشوف فيها إيه ؟
نظر له الأب مليا ثم قال بلهجه أمرة لا ناصحه :
- مش هتعجبك .. تعالا أجبلك ميكى أحسن !
هذا الموضوع إهداء لهذا الفتى !
كانت بينى وبين نجيب محفوظ سلسله طويله , معقدة من سوء الفهم , بدأت عندما كنت طالبا فى المرحله الإبتدائيه , وكانت كتب القراءة مليئه بموضوعات عن نجيب محفوظ وجائز نوبل .. كان محفوظ أنذاك عبئا يجب أن أتحمله , ودرسا يجب أن أحفظه وأتوقع أسئلته التى سأكتب أجوبتها فى إمتحان أخر العام , ناهيك عن إنعدام المصداقيه فى كل ما أدرسه من مناهج , فكيف أصدق كتاب قراءة يقول أن سبب النصر فى حرب أكتوبر هو الضربه الجويه الأولى فقط لاغير ثم أجد فى كتاب القراءة ذاته أن نجيب محفوظ أفضل كاتب عربى , فكيف اصدق مثل هذا الهراء ؟
لذلك أوجه مناشدة للقائمين على تطوير التعليم فى مصر ... من فضلكم لا تضمنوا كتبكم مقالات عن نجيب محفوظ أو أحمد زويل ... إلخ إلا حينما تنظفوا كتبكم من عفن الأكاذيب ...
ساعد على سوء العلاقه بينى وبين مؤلفات نجيب محفوظ , تلك الروايات التى تحولت لأفلام , والتى كانت أمى تعشقها وتشاهداه , مما كان يحرمنى من اللعب بـ Play station لفترات طويله .
هكذا تصورت أن نجيب محفوظ ماهو إلا كيان خلقه الله ليكون عبئا على فى الدراسه , ومانعا لألعابى فى الأجازة ...
أما فى بدايات مرحله الشباب , فزادت العلاقه بينى وبين مؤلفات محفوظ إضطرابا .. كنت أطلب من أبى أن يبتاع لى أحد كتبه فيقول لى بلهجه الأمر لا النصح :
- لن تعجبك روايات نجيب محفوظ .
أما والدتى فكانت تقول لى أن روايات نجيب محفوظ ( كافرة ) لا يجب أن تقرأها فى هذا السن , والعجيب أنها كانت رغم ذلك تتابع المسلسلات والأفلام المقتبسه عن رواياته !
هكذا ظللت لا أريد قراءة روايات نجيب محفوظ , حتى أننى أقدمت على أسوأ قرار فى حياتى حين بعت صندوق كبير قديم لدى يحتوى على معظم مؤلفات نجيب محفوظ , وبعته لدى أحد تجار الكتب القديمه بمبلغ زهيد , فقط لأتخلص من الحيز الكبير الذى تشغله هذة الكتب تحت فراشى , لأضع فيها دراجتى الجديدة !!
مرت الأيام والسنوات وكبرت , وأصبحت مستقلا فكريا عن عائلتى , وإختلفت أفكارنا كثيرا , وأدركت أن الحياه أوسع من أن أنظر إليها من خلالهم , ساعتها فقط تلقيت خبر وفاه محفوظ ... وأخذت الفضائيات ومواقع الإنترنت تعرض نبذه مختصرة عن حياه هذا العظيم , قرأت أحدها بالصدفه , وعرفت بأمر روايته الممنوعه أولاد حارتنا , والصراع الذى دار عليها ... حينها فقط قررت أن أقرأ هذة الروايه ...
وفى نفس يوم وفاه محفوظ , كنت أقوم بواحدة من أصعب مهام البحث على الإنترنت , عن الروايه الممنوعه , حتى وجدتها أخيرا , وبدأت فى قراءتها ثم إنتزعت نفسى إنتزاعا من أمامها بعد حوالى ثلاث أيام , وقد أنهيتها تماما ...
لحظتها فقط أحسست بالندم على كل كتاب بعته , وكل سنه قضيتها بعيدا عن مؤلفات هذا الرجل ...
كانت الروايه عميقه , تلخص التاريخ البشرى , وتدلو بدلوها فى العلاقه بين الدين والعلم ... وعلمت أن قاتل محفوظ – الذى حاول قتله بعد نشر الروايه – لم يقرأ الروايه أصلا .. كان أحد هؤلاء المتشددين الإسلاميين الذين إمتلأت بهم مصر فى نهايه الثمانينيات ومطلع التسعينيات , ممن ربوا ذقونهم وقصروا أطراف جلاليبهم وأجروا عقولهم لأمراء جماعاتهم ...
كانت لغه محفوظ سهله وعميقه فى أن واحد , والأهم أنها كانت مصريه 100 % ليست كالروايات المترجمه , أو ذات الأساليب الشبيهه بالإسلوب الغربى فى الكتابه , ناهيك عن أن معظم رواياته كانت تستعرض الحاله السياسيه والإجتماعيه منذ حكم الملك وحتى حكم السادات ...
كان محفوظ شاهدا حقيقيا على العصر , وكان يضع شهادته فى كل روايه مغلفه بغلاف قصصى أنيق , ولغه متسقه , وتعمقا لا نهائيا فى أبسط تفاصيل حياه البشر ...
بعض قصص محفوظ لا تحتوى على صراع .. .فقط تستطيع أن تقول – إذا جردتها من كل شىء أخر – أنها مجرد قصه عاديه أخرى .. على غرار ( عيل تاه ... لقوة ) , إلا أن محفوظ لديه القدرة على صياغه هذة القصه البسيطه صياغه سهله ممتنعه , تجعلك تعيش كل لحظه فيها وكأنك أحد أطرافها , ويتناول بحرفيه متميزة ما لا يتناوله غيرة على الإطلاق ...
قرأت لمحفوظ أولاد حارتنا أو ( أبناء الجبلاوى ) و شهر العسل وليله مقتل الزعيم وباقى من الزمن ساعه والسمان والخريف , وغيرها , ووجدت فى محفوظ أفضل كاتب عربى فعلا ...
لقد صدق كتاب القراءة ولو مرة واحدة !
فقط أقول , لو كان محفوظ أمريكى أو بريطانى , لصنعت له أمريكا تمثالا يناهز تمثال الحريه طولا – أو يزيد – ولأقيم معرض لمقتنياته , ولدرست روياته لطلبه المدارس والجامعات ..
أما لأنه مصرى , فنجد أن أفضل تكريم لمحفوظ هو منحه وسام الدوله ( مش عارف من الدرجه الكام ) و مقابلته بالرئيس مبارك ...
والعجيب أن الصحف حين تتعرض للقاء محفوظ ومبارك تخرج مانشيتاتها كالتالى :
" لقاء محفوظ والرئيس الزعيم القائد الوحيد الأوحد محمد حسنى مبارك "!
" محفوظ : الرئيس مبارك رئيس عالمى قومى شامل وهو أمل مصر الوحيد " !
وكأنما المقابله تكريما لمبارك وليس العكس !
واليوم , يقول البعض أن محفوظ لم ينل نوبل إلا عندما ( كفر ) و ( شتم الدين ) فى روايه ( أولاد حارتنا ) فإذا سألت أحدهم هل قرأت الروايه ؟ أجابك أنه لم يقرأها ... هؤلاء أيضا إغتالوا محفوظ مثلما حاول ذلك الشاب الجاهل فى التسعينات , فقط هو حاول أن يغتاله جسديا , أما المروجون للأمر دون دراسه فإغتالوة معنويا .. إغتالوا ذكراه التى تعيش فى قلب كل عاشق لنجيب محفوظ ..
وأنا منهم ..
اليوم عندما كنت أتصفح بعض المجلات لدى بائع الجرائد , وجدت طفلا صغيرا لم يتجاوز عمرة الحاديه عشر مع والدة , قال الطفل لوالدة :
- بابا ممكن أشترى " السمان والخريف " أشوف فيها إيه ؟
نظر له الأب مليا ثم قال بلهجه أمرة لا ناصحه :
- مش هتعجبك .. تعالا أجبلك ميكى أحسن !
هذا الموضوع إهداء لهذا الفتى !
