نبذة:
أبو البشر،
خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما
الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها
فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بها وطالبهما بعبادة الله
وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسول الله إلى أبنائه
وهو أول الأنبياء.
سيرته:
خلق آدم عليه السلام:
من الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه
سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة
كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن
منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ؟ الظاهر أنه لا . لأنه لو
كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما
يؤمرون . . وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق من نور . .
ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .
أما كيف كان السجود ؟ وأين ؟ ومتى ؟ كل ذلك في علم الغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..
فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن
تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ
الْعَالِينَ) . وبدلا من التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى، ردّ إبليس
بمنطق يملأه الكبر والحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن
نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) . هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا
المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)
وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه
(مِنْهَا) فهل هي الجنة ؟ أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز لكن
الأرجح رحمة الله تعالى، فلم يكن إبليس في الجنة، وحتى آدم عليه السلام لم
يكن في الجنة على الأرجح . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطرد واللعنة
والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) (ص)
هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ
رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . واقتضت مشيئة الله للحكمة
المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحه الفرصة التي أراد. فكشف
الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .
وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين
. لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن
بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته
وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله
. هذا هو طوق النجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره
في الردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته . وحدد المنهج والطريق:
(لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .
فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة
مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهم تبعة ما يختارون
لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين
. فأرسل إليهم المنذرين .
تعليم آدم الأسماء:
ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن
البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء
كُلَّهَا) . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم .
سكن آدم وحواء في الجنة:
اختلف المفسرون في كيفية خلق حواء. ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في
نفس وقت خلق آدم أم بعده لكننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أسكنهما معا في
الجنة.
كان الله قد سمح لآدم وحواء بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما
عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن
آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية
آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه
ويوسوس إليه: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا
يَبْلَى) . وأقسم إبليس لآدم أنه صادق في نصحه لهم، ولم يكن آدم عليه
السلام بفطرته السليمة يظن أن هنالك من يقسم بالله كذا، فضعف عزمه ونسي
وأكل من الشجرة هو وحواء.
ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل
من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث-
عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب
الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.
لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ
هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري.
ولم تكن لآدم تجارب سابقة في العصيان، فلم يعرف كيف يتوب، فألهمه الله
سبحانه وتعالى عبارات التوبة (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن
لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
(23) (الأعرف) وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.
هبوط آدم وحواء إلى الأرض:
وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه
التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض
هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.
يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا
هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين
شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"
ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط
إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى
يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن
في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم
جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة
يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.